نون والقلم

الشرخ

تركيا 2017 ليست تركيا 1917، هذا زمان وذاك زمان، ورجب طيب أردوغان ليس عبد الحميد الثاني أو مصطفى أتاتورك، ولا يمكن أن يقارن بهما، وأتراك اليوم ليسوا أتراك الأمس.

السلطان عبد الحميد كان الآمر الناهي، هو السلطة، فهو خليفة المسلمين، كل المسلمين، بطوائفهم ومذاهبهم ولغاتهم وقومياتهم، من مشارق الأرض إلى مغاربها، وهو سليل بيت حكم، ومكانته يكتسبها من امتداده التاريخي.

أما أتاتورك فهو القائد الذي جاء بعد الهزيمة، حاملاً راية القومية التركية بعد أن تخلى عن الراية الإسلامية، وسمي «أبو الأتراك»، فهو يتحدث باسم الجميع، وأراد أن يبني وطناً للجميع، ولم يكن حزبياً ضيق الأفق، ولم يكن صاحب فكر أيدلوجي يفرضه على الناس.

أردوغان ليس هذا ولا ذاك، فهو يمثل اتجاها فكرياً ودينياً، وهو متحزب مع فئة من أبناء شعبه، لا كل المسلمين أتباعه، ولا كل الشعب مؤمن بقيادته، وقد رأينا كيف كانت نتيجة استفتاء أول من أمس، هو وحزبه والأحزاب الأخرى المتحالفة معه وتحت سطوة المؤيدين من موظفين ولجان إشراف، بعد كل هذا فاز بفارق واحد وربع في المئة، كل هذه التعديلات المعلنة التي ستجعل منه إمبراطوراً لعشر سنوات لم تنل اثنين في المئة فوق الخمسين، وهنا يكمن خطر الاستفتاء والتوجه الجديد للتركيبة السياسية والدينية التي يريد أردوغان أن يرسخها في المجتمع التركي.

ثمانية وأربعون وبضعة أعشار في المئة قالوا «لا» لتلك التعديلات، إنهم نصف الأتراك، نصف الشعب، ومثل هذا الرقم لا يستهان به، ولا يشطب من السجلات، وبالتأكيد لا يمكن أن يوضع في السجن كما حدث لأتباع «غولن» أو العساكر المتهمين بتأييد الانقلاب الفاشل، لهذا أجد نفسي متوجساً من مستقبل تركيا، فهي ورغم كل ما رأيناه من تقلبات في المواقف خلال سنوات الربيع العربي المدمر، والاندفاع خلف الإخوان، أقول لكم، رغم كل ذلك تبقى تركيا المستقرة والقوية سنداً في مواجهة الألاعيب الإيرانية في المنطقة، ولكن الاستفتاء ونتائجه بينا أن شرخاً قد حدث في الجسد التركي، فإذا تمادى المنتصرون اتسع الشرخ، وحدثت الفوضى التي يتمناها كثيرون، ولحظتها لن تنفع أصوات العقلاء أو سياط الديكتاتورية!

زر الذهاب إلى الأعلى