السيد زهره يكتب: وماذا بعد الانسحاب الأمريكي؟
ماذا بعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا؟.. ما النتائج والآثار التي ستترتب على هذا القرار؟
بطبيعة الحال، هذا السؤال مطروح اليوم بإلحاح على كل المستويات، على مستوى الدول المعنية، وعلى مستوى الكُتاب والساسة والمحللين في أمريكا والمنطقة والعالم.
في الأيام القليلة الماضية، حفلت الصحف والمجلات ومواقع مراكز الأبحاث الأمريكية بعشرات التحليلات التي تناقش هذه القضية وتعرض مختلف وجهات النظر.
من المهم بالنسبة إلينا أن نتابع هذا الجدل وأن نعرف أبعاد القضية.
بداية، هناك بعض الكتاب والمحللين، القليلين في الحقيقة، الذين أعربوا عن تأييدهم لقرار ترامب. الأسباب التي قدموها تستند إلى نفس المبررات التي أعلنها ترامب نفسه، والتي تتلخص في أن القرار يخدم شعار: «أمريكا أولا» ويحقق مصالح أمريكية. أحد المحللين كتب مثلا يقول إنه صحيح أن تنظيم داعش ما زال موجودا ويمثل خطرا، لكن هذه في النهاية مشكلة دول المنطقة بالأساس وآن الأوان أن تتحمل هي مسؤوليتها. وقال أيضا إنه صحيح أن المأساة الإنسانية في سوريا مروعة، ولكن أمريكا ليست مسؤولة عن حلها وحدها.. وهكذا.
محللون آخرون اعتبروا أن قرار ترامب هو في الحقيقة إقرار بأمر واقع، والأمر الواقع هو هزيمة أمريكا في سوريا، إذ لم تعد هي القوة التي تقرر ما يجري أو تحدد مسار الأحداث، ولهذا فإن القرار صائب.
لكن الغالبية الساحقة من الساسة والكتاب والمحللين أجمعوا على انتقاد القرار واعتبار أنه سوف تترتب عليه نتائج وتأثيرات كارثية بالنسبة إلى سوريا والمنطقة كلها، وأيضا مصالح أمريكا.
ومن واقع متابعاتي لكثير من هذه التحليلات أستطيع تلخيص الجوانب الأساسية التي تثيرها فيما يلي:
1 – أنه ليس صحيحا أن تنظيم داعش تمت هزيمته كما قال ترامب. صحيح أنه تم طرده من الأراضي التي كان يحتلها، لكن ما زال يوجد الآن 20 ألف مقاتل من داعش في سوريا والعراق.
والقرار سوف يبث الحياة في داعش من جديد، ومن الممكن أن يقود إلى صحوة إرهابية للتنظيم. فسوف يعود مقاتلو داعش أكثر قوة.
2 – أن القرار يعتبر أكبر دعم لإيران ووجودها في سوريا، وسوف يعزز إلى حد كبير جدا من دور إيران الإرهابي هي والمليشيات العميلة لها في سوريا.
محللون كثيرون اعتبروا أن القرار سوف يطلق عمليا يد إيران وعملائها في سوريا.
واعتبروا أيضا أن القرار دعم مباشر للنظام الإيراني، فبمقدوره أن يزعم الآن انه رغم العقوبات الأمريكية، فإنه حقق نصرا استراتيجيا هائلا في سوريا والمنطقة.
وقال أحد المحللين إن إيران وروسيا بمقدورهما الآن أن يعلنا الانتصار في سوريا بكل ما يترتب على ذلك.
3 – أن القرار نتائجه كارثية بالنسبة إلى الأكراد، ودور تركيا وجهود تحقيق الاستقرار في سوريا. فمن المعروف أن تركيا تعد لهجوم كبير في سوريا، الأمر الذي سيقود إلى إشعال الساحة السورية مجددا وإلى كوارث بالنسبة إلى المدنيين وتشريد الآلاف.
4 – أنه بعد هذا القرار وإنهاء الوجود الأمريكي، لن يكون لأمريكا أي حضور أو دور مهم في تسويات ما بعد الحرب في سوريا والترتيبات التي يتم إقرارها.
ويعني هذا ترك سوريا تتقسم إلى مناطق نفوذ بين روسيا وإيران وتركيا، الأمر الذي يهدد مصالح أمريكا في المنطقة.
5 – أن القرار يعد تشويها لسمعة أمريكا ومصداقيتها في المنطقة. فالقرار يعني تخلي أمريكا عن أحد حلفائها فجأة ومن دون مبررات قوية، الأمر الذي يثير بلا شك حفيظة كل حلفاء أمريكا الآخرين، ويثير تساؤلات حول سياسة أمريكا عموما.
وإجمالا، بناء على هذه الجوانب مجتمعة، يعتبر المحللون أن القرار سيئ ويهدد مصالح أمريكا في المنطقة.
وإذا كانت هذه هي تقديرات المحللين لنتائج وتأثيرات القرار الأمريكي، يبقى للقرار جانب خطير آخر في غاية الأهمية لا بد أن نتطرق إليه.
نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية