نون والقلم

السيد زهره يكتب: من يرسم مستقبلنا العربي؟!

أشرت في مقال الأمس الى تقارير مراكز الابحاث الغربية التي تتحدث عن نظام أمني إقليمي جديد في المنطقة يحلّ محل مجلس التعاون الخليجي وما يعنيه ذلك.

ويثير هذا قضية مهمة سبق ان كتبت عنها منذ فترة, لكنها تستحق إعادة طرحها. أعني قضية الدور الخطير الذي تلعبه مراكز الأبحاث الغربية فيما يتعلق بالمستقبل العربي, والدور الغائب بالمقابل لمراكز الأبحاث العربية.

مراكز الأبحاث في الغرب, ومنذ عقود طويلة, تهتم بدراسة قضايانا العربية أكثر بكثير جدا من اهتمامنا نحن بها.

لا توجد قضية عربية يمكن ان تخطر على البال, الا ونجد عشرات الأبحاث والتقارير التي تناقشها تصدر عن المراكز الغربية,. ولا يقتصر الأمر -كما قد يظن البعض- على القضايا الاستراتيجية والسياسية, بل يمتد الى كل القضايا العربية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

المشكلة ليست في ان هذه المراكز تدرس القضايا العربية على هذا النحو. بالعكس, تتضمن تقاريرها وأبحاثها كثيرا جدا من المعلومات والرؤى والأفكار التي يجب ان نهتم بها ونستفيد منها. وفي كل الأحوال, يجب ان ندرسها بعناية على الأقل كي نعرف كيف يفكرون.

المشكلة -كما سبق أن ذكرت- ان كثيرا من هذه المراكز تلعب دورا أساسيا في رسم سيناريوهات المستقبل العربي على كل المستويات وفق أجندات استعمارية غربية.

هذه المراكز تقوم بدراسة الأوضاع والقضايا العربية على كل المستويات, وتضع رؤى وتصورات للمستقبل من وجهة نظر المصالح الغربية وبما يخدمها.

في الفترة الماضية مثلا, قرأت عددا كبيرا من هذه التقارير والأبحاث الغربية عن قضايا مثل: مستقبل الأمن الإقليمي وكيف يجب ان يكون, ومستقبل مجلس التعاون وما بعد مجلس التعاون, والتحالف العسكري العربي الذي يجري الحديث عنه.. وهكذا.. وهكذا.

ما تطرحه هذه المراكز ليس مجرد اجتهادات وأفكار نظرية, بل تعتبر في كثير من الأحيان قاعدة للاستراتيجيات والسياسات التي تتبعها الدول الغربية بالفعل.

يكفي ان نشير هنا الى ما أصبح معروفا من أن مخطط تدمير الدول العربية وتقسيمها وإغراقها في الفوضى, والذي بدأ تنفيذه مع غزو واحتلال العراق, وبلغ الذروة مع ما سمّي «الربيع العرب» وما تبعه من دمار, قد تم وضعه في مراكز الأبحاث أساسا, ثم تبنّته او تبنّت جوانبه الأساسية دوائر صنع القرار في الدول الغربية.

في الوقت الذي يفعلون فيه هذا, نجد ان مراكز الأبحاث في الدول العربية لا تقوم بهذا الدور.

نعني انه -باستثناءات قليلة جدا- يغيب عن اهتمامات مراكز الأبحاث العربية قضية المستقبل في مختلف المجالات وبخصوص القضايا الكبرى الأساسية, وصياغة رؤى وتصورات محددة لهذا المستقبل بما من شأنه خدمة المصالح العربية.

هذه قضية لها أهمية كبيرة جدا بالنسبة للقادة والحكومات العربية. من المهم لصانع القرار في الدول العربية ان يكون على بينة من احتمالات المستقبل بخصوص أي قضية او أزمة, والسيناريوهات المطروحة بصراحة ووضوح, كي يضع السياسة السليمة ويتخذ القرار على أسس مدروسة.

ومراكز الأبحاث العربية لا تعين أبدا هنا.

يستغرب المرء لماذا لا تقوم مراكز الأبحاث العربية بهذا الدور الأساسي. اغلب الظن ان القائمين على هذه المراكز يعتقدون ان مهمتهم الأساسية هي الترويج لسياسة الحكومة والدفاع عنها. ولا بأس في هذا أبدا. لكن هذه ليست هي المهمة الاساسية لمراكز الأبحاث.

المهمة الأساسية لمراكز الأبحاث ان تدرس التطورات, وتقيمها بشكل موضوعي صريح, وتضع الخيارات والبدائل أمام صانع القرار.

في المحصلة النهائية, ولعدم قيام مراكز الابحاث العربية بدورها على هذا النحو, فإنهم في الغرب هم الذين يقومون برسم مستقبلنا العربي. ونحن لا نملك حتى الرؤية السليمة لمستقبلنا.

نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية

زر الذهاب إلى الأعلى