
السيد زهره يكتب: ترامب وتصحيح خطأ تاريخي قاتل
ما معنى أن تنسحب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران؟.. ما الذي يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج وتبعات بالنسبة لإيران، والمنطقة والعالم، والدول العربية خصوصا؟.
هذه وغيرها أسئلة كثيرة ينشغل بها بالفعل المحللون في العالم منذ فترة، وسينشغلون بها أكثر الآن بعد القرار الذي أعلنه الرئيس ترامب. والإجابة عن هذه التساؤلات يحتاج إلى أحاديث مطولة.
لكن الأمر الذي يجب أن يكون واضحا بداية ومن حيث المبدأ أن القرار الذي اتخذه ترامب يعتبر تصحيحا لخطأ تاريخي قاتل ارتكبه الرئيس السابق أوباما.
الخطأ لم يكن توقيع اتفاق نووي مع إيران في حد ذاته. بالعكس، كان مطلوبا التوصل إلى اتفاق يضع حدا لسعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي بكل ما يعنيه ذلك من تهديدات للمنطقة والعالم.
الخطأ تمثل في ثلاثة أمور كبيرة:
الأول: صيغة الاتفاق في حد ذاته. رغم كل الضجيج الذي أحاط بتوقيع الاتفاق واعتباره خطوة حاسمة على طريق ردع طموحات إيران النووية، فقد أجمع كثير من الخبراء على أن صيغة الاتفاق في جوهرها لا تمنع إيران من امتلاك السلاح النووي لو أرادت. وفي أحسن الأحوال، فإنه يتيح لإيران امتلاك السلاح النووي في أسرع وقت بعد انتهاء فترة الاتفاق.
والثاني: أن الاتفاق لم يتطرق على الإطلاق إلى الحد من قدرة إيران على تطوير الأسلحة النوعية الأخرى، وخاصة تطوير الصواريخ البالستية. وكانت النتيجة أن إيران طورت برامج هذه الصواريخ بشكل متسارع جدا بكل ما ينطوي عليه ذلك من تهديدات.
والثالث: وهذا هو أهم وأخطر ما ارتبط بالاتفاق بالنسبة للدول العربية بالذات.
نعني بذلك أنه تم الفصل نهائيا بين الاتفاق النووي وبين مشروع إيران الإرهابي التوسعي في المنطقة وسياساتها العدوانية التي تهدد الدول العربية تهديدا جسيما.
كان هذا هو الخطأ التاريخي الأكبر الذي ارتبط بالاتفاق، وترتبت عليه نتائج وتبعات خطيرة.
الذي فهمته إيران من هذا، أي من توقيع الدول الكبرى للاتفاق معها والاحتفاء به وغض النظر في الوقت نفسه عن سياساتها في المنطقة، أنه بمثابة ضوء أخضر لها للمضي قدما في كل ما تمارسه من سياسات توسعيه ومن تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية ومن إرهاب تمارسه هي والقوى العميلة لها.
وقد كان الأمر على هذا النحو بالفعل.
أوباما بالذات فعل هذا عن عمد، إذ كان يريد تمكين إيران في المنطقة، وكان متعاطفا تماما مع مشروعها التوسعي.
ولهذا، لم يكن الاتفاق خطوة على طريق الاستقرار والأمن في المنطقة، بل أسهم على العكس في مفاقمة عدم الاستقرار والصراع. ولم يكن الاتفاق خطوة على طريق ردع إيران وتحجيم دورها الإرهابي التوسعي، بل كان على العكس أكبر عامل تشجيع لها للمضي في هذا الطريق.
وكما تابع العالم كله، فبعد توقيع الاتفاق تصاعد الخطر الإيراني في المنطقة، وتفاقمت ممارساتها الإرهابية ضد الدول العربية.
إذن، من جميع هذه الأوجه كان الاتفاق خطأ تاريخيا قاتلا، وليس بالإنجاز التاريخي الذي يتباكى عليه الكثيرون في العالم اليوم بعد قرار ترامب.
قرار ترامب في جانب أساسي منه بمثابة تصحيح لهذا الخطأ.
ومن الملفت أن ترامب أعلن الاستعداد للتفاوض على اتفاق جديد يتلافى هذه الأخطاء القاتلة. ولو كانت إيران حسنة النية حقا لقبلت هذه الدعوة، هي والدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.
ومع هذا، يبقى من المهم أن نناقش تفصيلا نتائج قرار ترامب، وكيف يمكن أن يؤثر على الأوضاع في المنطقة، وما الذي يجب أن تفعله الدول العربية بالضبط.
نقلا عن صحيفة أخبار الخليج البحرينية