غير مصنف

الاتحاد.. سلاح الخليج المعطل في مواجهة التمدد الإيراني

“نعم ولكن” لسان حال معظم الدول الخليجية في موقفها من مشروع قيام اتحاد خليجي، دعا له العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، منتصف العام 2011، الذي شهد اندلاع معظم الثورات العربية، بالإضافة إلى الاحتجاجات البحرينية، وما رافقها من اضطرابات أمنية مثلت تحدياً كبيراً لدول مجلس التعاون الخليجي في ذلك الحين.

ودعا الملك عبد الله إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، في العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، وعلى الرغم من أن الدعوة لاقت ترحيباً رسمياً من قبل قادة دول المجلس، في حينها، إلا أن عدداً من العوائق والعقبات حالت دون قيام الاتحاد.

وشهد عام 2011، الذي أطلقت فيه الدعوة لقيام الاتحاد الخليجي، اندلاع ثورات مصر وليبيا واليمن وسوريا، كما شهدت دول المغرب والأردن والبحرين وحتى سلطنة عمان حركات احتجاجية، رفعت مستوى التحفز الأمني في منطقة الخليج بوجه عام.

– هاجس الأمن

ففي البحرين، قرأت الدول الخليجية الاحتجاجات الشيعية فيها على أنها محاولة إيرانية جديدة لتنفيذ سياسة تصدير الثورة، عبر التمدد في الفراغات التي ولدتها أجواء الثورة في العالم العربي، وشهدت القطيف السعودية تحركات محدودة مماثلة، إلا أن احتجاجات البحرين تصاعدت قبل أن تتدخل قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية، لمساعدة حكومة البحرين بحسم الموقف.

ويعد الهاجس الأمني في الدول الخليجية عاملاً مؤثراً في طبيعة التحركات التي تنتهجها حكومات هذه الدول، والتي كان أحدثها عملية عاصفة الحزم العسكرية، التي ردت من خلالها الدول الخليجية بقيادة السعودية على تمدد جماعة الحوثي الموالية لإيران في اليمن، ومنعتها من الاستيلاء على البلد الواقع في خاصرة المملكة السعودية.

ويجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي على أن التحديات الأمنية المستجدة باتت تملي على دول المجلس تنسيقاً وعلاقات مختلفة عن السابق. وباستثناء السعودية، تعاني الدول الخليجية من انكشاف سكاني وديمغرافي كبير، يجعلها عرضة للمخاطر العسكرية، كما أن بعضها تحتضن أقليات شيعية تجد فيها إيران، الجار اللدود، فرصة للعبث بأمن الخليج والضغط على حكوماته، بحسب محللين خليجيين.

ومع اندلاع الثورات العربية، وبروز ملف تنظيم الإصلاح المحسوب على الإخوان المسلمين في الإمارات المتهم بمحاولة قلب نظام الحكم، كأحد الملفات المؤرقة لهذه الدولة، بالنظر إلى صعود الجماعة في بعض دول الربيع العربي، وتسلمها زمام الحكم، أصبحت الدعوة لقيام الاتحاد الخليجي أكثر إلحاحاً، ومن ثم وضعت على أجندة القمم الخليجية، ونوقشت مراراً، لكن هاجس الاستقلال والسيادة ظل عائقاً كبيراً أمام إعلان نيات قيام الاتحاد في الحد الأدنى.

– مواقف متباينة

وبحسب الصحافة الخليجية، فإن البحرين أبدت دعماً وتأييداً كاملاً لإنشاء الاتحاد الخليجي، حتى إن اقتصر الأمر على كل من الرياض والمنامة، بالنظر إلى حجم الخطر الذي تتعرض له لجهة انكشافها الديمغرافي، وضعف إمكانياتها العسكرية مقارنة بالدول المجاورة، لا سيما إيران.

أما قطر، فقد أبدت تأييدها لفكرة قيام الاتحاد، إلا أنها لم تخض نقاشاً حول تفاصيل الفكرة وآلياتها، وطبيعة الاتحاد المزمع إنشاؤه.

الإمارات من جهتها أبدت تردداً كبيراً، وبدت غير راضية عن الفكرة، وإن كانت تبحث عن تطوير العلاقات الخليجية، بحيث تصبح قادرة على مواجهة التحديات بكفاءة أكبر، وبما يعود بالنفع والمصلحة على جميع دول المجلس. ويرى محللون في موقف أبوظبي امتداداً لموقفها السابق من إنشاء المصرف المركزي الخليجي، الذي طالبت بأن تكون مقره الرئيسي، وهو ما عطل المحادثات بشأنه حتى الآن، رغم كونه أقدم من فكرة الاتحاد بسنوات.

وأبدت الكويت في البداية تردداً في تأييد فكرة الاتحاد الخليجي، إلا أنها غيرت موقفها فيما بعد، وأصبحت في عداد الدول المؤيدة للفكرة، بجانب قطر والبحرين، وفقاً لما نقلته صحيفة الحياة السعودية.

أما عمان، فكانت الدولة الخليجية الوحيدة التي عارضت تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد، وأكدت على لسان المسؤولين فيها أنها لن تنضم إلى هذا الاتحاد في حال قيامه، في حين تسربت معلومات عن تهديدها بالانسحاب من المجلس إذا ما طرحت الفكرة للنقاش مجدداً.

– تجدد الدعوة

ومنذ نهاية عام 2013، تاريخ القمة الخليجية الرابعة والثلاثين، التي انعقدت في الكويت، تعثرت المباحثات حول فكرة قيام الاتحاد الخليجي، ولم تعد ملفاً ساخناً كما كانت سابقاً، وربما ساهم في تراجع الاهتمام بهذا الملف تراجع الثورات العربية، وسقوط الرئيس المصري محمد مرسي، في انقلاب عسكري، وتخلي حركة النهضة عن رئاسة الحكومة التونسية، بالإضافة إلى هدوء الأوضاع الأمنية في البحرين والدول العربية الأخرى التي شهدت حركة احتجاجات محدودة.

لكن الدعوة لقيام اتحاد خليجي تجددت مؤخراً، في وسائل الإعلام والصحافة الخليجية والسعودية، منذ بداية العام الجاري، وذلك بالتزامن مع بروز التمدد الإيراني في عدد من الدول العربية كخطر متنامٍ، يهدد دول الإقليم عامة والخليج خاصة بصورة غير مسبوقة، لا سيما مع تصريحات إيرانية شبه رسمية مبطنة، وأخرى غير رسمية واضحة، تهدد بإسقاط العواصم العربية والخليجية في يد الحرس الثوري.

ومع انطلاق عاصفة الحزم، برزت دول الخليج قوةً إقليمية قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية للدفاع عن أمنها وحدودها، وذلك في ظل الانكفاء الأمريكي في المنطقة، إضافة إلى سياسة التسويف، التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة، في معالجة مخاوف حلفائها الخليجيين فيما يتصل بأزمات سوريا والعراق والتمدد الإيراني، فضلاً عن الحماس الأمريكي لإبرام اتفاق تاريخي مع طهران، ترى فيه العواصم الخليجية هامشاً جديداً يمنح لإيران لمواصلة التمدد والهيمنة في المنطقة.

ووقعت تفجيرات انتحارية عدة مؤخراً في السعودية، لا سيما في منطقة القطيف ذات الغالبية الشيعية، تبناها تنظيم “الدولة”، لتصحو الدول الخليجية معها على تحد أمني جديد يتزايد خطره باستمرار، ويهدد بتفتيت الوحدة الوطنية، وفقاً لتصريحات المسؤولين، وهو ما يعطي دفعاً جديداً لدعوات قيام الاتحاد الخليجي.

ويرى بعض الكتاب أن الاتحاد لا يؤدي بالضرورة إلى تخلي الدول المشاركة فيه عن سيادتها واستقلالها، بل يمكن أن يكون ذا طبيعة مرنة، تمنح أعضاءه مزايا الاتحاد ومراكمة القوة، ويحافظ في الوقت ذاته على خصوصيات شعوب وأنظمة الحكم في كل من تلك الدول، في صورة مشابهة لحالة الاتحاد الأوروبي.

وذكر بعضهم أن الاتحاد المفترض لا يحتاج الكثير لإعلان قيامه؛ فالبنية الاجتماعية واحدة، والمستوى الاقتصادي متقارب، والحدود شكلية، والعقائد الأيديولوجية متطابقة، ولديهم مؤسسات سياسية واقتصادية عسكرية مشتركة، وأيضاً نواة لجيش مشترك (قوات درع الجزيرة).

زر الذهاب إلى الأعلى