الإرهاب كسر الأبواب
ارتكب الإرهابيون جرائم إنسانية فادحة جاوزت الحد في القبح والحماقة، إذ لا يُعقل أبداً أن يقتل الولد والديه! وفي الحديث الشريف «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنّةِ» أي خير الأبواب وأعلاها. بابُ الفضلِ في رِضَا الوالدينِ، أحسن ما يُتوسل به إلى دخول الجنة، فإن الإحسان إليهما والبر بهما جهاد.
يمقت الارهابيون أوطانهم، ويعادون عالم الرسومات الإبداعية، والألحان الشجية، والأصوات الندية، والفنون الجميلة. هؤلاء لهم عقليتهم وسيكولوجيتهم التي تُحرم جميع مظاهر الحياة المدنية وتُكَفر الحكومات وتؤمن بالعنف منهجا، والحقد مسلكا. السلوك السوي نتاج علم وارف، ولطافة في التعامل، بينما التفجير والقتل والإرهاب علامات على تربية همجية، وتنشئة شنيعة، وروح متشبعة بالكراهية.
يشير كتاب: قاموس الإرهاب (Dictionary of Terrorism) إلى أن الإرهاب مشكلة مستعصية متنامية تواجه المجتمع الدولي كله. حاليا هناك دورات تُنظم للشرطة والجيش في إطار برنامج الدراسات العليا في السياسة والعلاقات الدولية من أجل بناء الأطر المفاهيمية لتحليل ظاهرة الإرهاب وإيجاد تطبيقات للتعامل معها. ينتهي الكتاب بثلاثة بنود؛ استعراض قائمة أفلام ووثائق عن الإرهاب، مواقع الانترنت، وجدول زمني يشير إلى حالات تاريخية.
يكشف القاموس المذكور عن معضلة الأطماع السياسية، والتشدد الديني. إن الأطماع السياسية للدول أوجدت العديد من الحروب التي حصدت ملايين الأرواح، وأفسدت العلاقات بين الدول، وأي حل جذري لمشكلة الإرهاب يجب أن يبدأ من إيجاد سياسات دولية عادلة، ومعالجة الغلو الديني.
ومن زاوية تربوية، فإن المجتمعات مطالبة بتأصيل فكر التعايش، وبث روح التسامح، وايقاظ معاني التكافل. يعاني الارهابيون خللا شديد الشناعة في فهم الدين وإلا كيف نفسر مقتل الابن والديه وأقاربه؟
إن النقص الحاد في توجيه الشباب نحو جماليات الدين والاستمتاع بالطيبات دفع الشباب إلى التوغل بشدة في قضايا الدين والنفور من الايمان بالتعددية الثقافية.
إن اشتغال وانشغال الشباب بالتفريعات الدينية والتوجه نحو حسم الأمور وفرض الآراء الدينية بصورة دوغمائية أوجد تشوها عقليا تصاحبه سيكولوجية متوحشة. يتعين علينا الإيمان بتنوع الآراء الثقافية، والمشارب الفكرية، وبسط نفوذ التعايش السلمي وصرف طاقات الشباب في بناء الوطن، وتنمية الذات، وحب الحياة الطيبة وعلومها وفنونها.
على ضوء كل ما سبق فإن مطاردة الإرهاب قضية محلية ودولية لا يمكن علاجها إلا برؤية شمولية ومنهجية علمية.
إن دور المثقف العربي اليوم المشاركة في نشر الوعي السياسي والديني والتربوي على نحو فاعل. الاصلاح مسؤولية ضخمة تقع على عاتق المتخصصين في مجال الفكر والثقافة والإعلام، كما أن بث فكر التسامح مسؤولية أسرية بالدرجة الأولى. الإنسان الذي لا يستطيع التعامل وفق منطق التسامح سلوكا وثقافة في أسرته، إنسان عاجز عن تطبيق التسامح في مجتمعه.