نون والقلم

أميرة عزت تكتب..الملعقة المقدسة

الملعقة المقدسة هي المستير التي تقابل الآن حرب السوشيال ميديا من بعض المسيحيين الذين يطالبون بالاستغناء عنها وتغيير طقس التناول بالكنيسة المصرية الأرثوذكسية بحجة الوقاية من العدوى بمرض الكورونا المستجد المنتشر بالعالم والذي يسبب الذعر والخوف في جميع الدول.

الغريب أن من ينادون بذلك ينتظرون رد الكنيسة عليهم، فكيف تنصت الكنيسة لهم وتقوم بتغيير سر التناول أو إلغائه خوفاً من العدوى بمرض كورونا، فقبل الخوض في كلام الإنجيل عن التناول، دعوني أتساءل ألم يعلم من ينادي بالإلغاء أنه لم يحدث أن سجل التاريخ حالة عدوى بسبب التناول في أي وقت رغم ظهور أوباء في عصور سابقة كانت أخطر، هذا بالإضافة إلى أن يتناول مئات المصلين كل يوم داخل الكنيسة وقد يكون من بينهم من هو مريض بمرض مزمن معدي ولم يصب أحد أو يعدي حتى الكاهن الذي يأكل ويشرب الفتات المتبقي كرامة لهذا السر .

كيف نخاف من أن ينقل التناول لنا عدوي وهو بالنسبة لنا كمسيحيين الحياة نفسها فقال السيد المسيح في أنجيل يوحنا الأصحاح السادس آية 53 و54 :  “فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية”، فهو أساس العقيدة المسيحية والإيمان الأرثوذكسي وإن لم نؤمن بقوة وعظمة هذا السر كأننا ننكر إيمانا بالعقيدة المسيحية.

فنحن نؤمن أننا نتحد بالسيد المسيح من خلال هذا السر العظيم، السيد المسيح الذي في إيماننا نحن المسيحيون الله رب الكون معطي الحياة وشافي المرضي ومقيم الموتي، ففي إنجيل يوحنا يقول النص الكتابي: “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه” (يو6 : 56) وبه ننال الحياة الأبدية “أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء أن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم” (يو6 : 51).

جسده ودمه هنا يقصد بهما التناول الذي أوصي به السيد المسيح  وأسسه بنفسه يوم العشاء الرباني ، يقول النص الكتابي “فِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي.

وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا”. هذه الآيات بإنجيلي مرقس ومتي بنفس النص في إنجيل متى الاصحاح ال26 من 26 ل 28 وفي إنجيل مرقس الاصحاح ال14 ايه 22ل 24 .

وفي إنجيل تلميذ السيد المسيح لوقا الطبيب أعلن عن شكل و طريقة التناول بشكل واضح ففي الأصحاح  الـ22 في الآيات 17 و18 و19 و20  جاء نص الأنجيل كالآتي: “ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.

إذن الأنجيل حدد نوعية التناول و الذي هو “خبز وخمر”  الخبز القربانة والخمر عصير العنب الذي يتكون من عصير عنب مختمر بقليل من الكحول ، وكيفية تناولة من خلال الكأس وكسر الخبز .

أود أن أوضح شيئا آخر هو انفصال لقمة الأغابي قديما عن سر التناول، والتي تحولت إلى لقمة البركة التي يعطيها الأب الكاهن للشعب عقب أنتهاء القداس الآلهي، ففي الأناجيل الأربعة قالت إن السيد المسيح أكل الفصح مع تلاميذه، والفصح هنا عيد اليهود الذي كانوا يحتفلون به كل عام لذكرى خروجهم من مصر حينما أمرهم الرب من خلال موسي النبي بذبح خروف ووضع دمائه علي بيوتهم حتي يعبر ملاك الموت عنهم ولا يمسو بضربة الأبكار التي جاءت على مصر والتي توجد قصتها بالكامل في سفر الخروج بالعهد القديم من الأنجيل  .

ثم بعد صعود السيد المسيح إلى السماء ظل تلاميذه ورسله يبشرون بنفس تعاليمه ويحيون ذكره بالتناول كما علمهم وأوصهم أن يبشروا بجميع كلامه لكل الأمم، وقد اعتادوا في هذا الوقت لتحويل الفصح الذي أكله السيد المسيح معهم إلى” لقمة أغابي”اغابي تعني محبة “،  التي كانت عبارة عن وجبة يأكلها المصلون مع بعض على مائدة واحدة منفصلة تماماً عن سر التناول، وذلك حسب كتابي حول سر الأفخارستيا للبابا شنودة الثالث والأفخارستيا عشاء الرب للأبونا متي المسكين اللذان رغم أختلافهم فكريا إلا أنهما اتفقا علي أنفصال وجبة الأغابي عن التناول .

يتبقي هنا معرفة سبب تسميته بالسر، كلمة سر في المسيحية تعني حصول الشخص على نعمة إلهية غير منظورة بالعين ولكنه يشعر بها ويتلقاها بإيمانه، وفي سر التناول يحصل فيها الشخص المتناول على نعمة الاتحاد بالرب يسوع المسيح من خلال القربانة وعصير العنب اللذان يتحولان خلال صلاة القداس الإلهي إلى جسد ودم حقيقي للسيد المسيح.

كما أن سر التناول له أسماء آخرى مثل سر الأفخارستيا أو  القربان المقدس أو الأوخارستيا ، وهي كلمة معناها اللغوي الشُكر، وهي تعريب للكلمة اليونانية εὐχαριστέω، وسر الأفخارستيا هو أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية وأحد السرين المقدسين في الكنيسة البروتستانتية.

أود أن أوضح أنه إذا أصدرت الدولة قرارًا بغلق دور العبادة سوف تخضع الكنيسة للقرار احتراما للقيادة السياسة وخضوعًا للرؤساء وكل ترتيب بشري كما علمها المعلم السيد المسيح ففي رسالة بولس الرسول إلى تيطس يقول الكتاب المقدس: “ذَكِّرْهُمْ أَنْ يَخْضَعُوا لِلرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينِ، وَيُطِيعُوا، وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ، (تي 3: 1).

للمزيد من مقالات الكاتبة أضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى