
سكان جنوب لبنان يواجهون عدم اليقين بعد انهيار القرض الحسن
بينما تبدأ مناطق جنوب لبنان في عملية التعافي البطيئة من الدمار الذي خلفته حرب العام الماضي مع إسرائيل، تواجه المجتمعات المحلية أزمة جديدة تتمثل في انهيار مؤسسة القرض الحسن، إحدى أقوى المؤسسات المالية والخيرية في المنطقة.
أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية بأن المؤسسة التابعة لحزب الله، التي كانت قوة محورية في جهود إعادة إعمار الجنوب، تجد نفسها الآن على حافة الإغلاق. إذ إن مشاكل السيولة الشديدة، والعقوبات الدولية المتزايدة، وسوء الإدارة الداخلية قد قادت المؤسسة إلى عدم الوفاء بوعودها المتعلقة بإعادة الإعمار بعد الحرب. ولا تزال بعض الأحياء، التي وعدت بالدعم المالي وإعادة بناء المنازل، مدمرة، مما يزيد من إحباط السكان.
تصف فاطمة، وهي أم لثلاثة أطفال من بنت جبيل، التي دمر منزلها خلال الحرب: «لقد وعدونا بمساعدتنا في إعادة بناء منزلنا. جاؤوا وأخذوا أسمائنا وصورنا، ثم تلاشى الوعد. يقولون الآن إنه لا يوجد مال لذلك».
وبحسب مصادر مقربة من المؤسسة، فإن شبكات القرض الحسن المالية تعرضت لأضرار جسيمة. العقوبات الأمريكية والأوروبية استهدفت الأذرع الاقتصادية لحزب الله، مما أدى إلى تجميد الأصول وتعطيل المعاملات الدولية وانهيار قنوات الصرافة غير الرسمية، التي كانت تستخدم سابقاً لتحويل الأموال عبر الحدود.
وتوضح الصحيفة أن المؤسسة، التي كانت تعتبر نظاماً مصرفياً موازياً وبديلًا للمؤسسات اللبنانية المتعثرة، تكافح الآن للحفاظ على العمليات الأساسية. الفروع التي كانت تعج بالنشاط تُبلغ عن احتياطيات مالية فارغة، وبعضها أغلق أبوابه تماماً.
يلاحظ المحللون المحليون أن التداعيات تتجاوز الجانب المالي – إنها سياسية أيضًا. فقد أدى عدم قدرة الجناح المالي لحزب الله على الوفاء بوعوده إلى اهتزاز الثقة بين داعميه، خاصة في المناطق الجنوبية المتضررة بشدة. يقول المحلل السياسي رامي فارس: «تتنامى خيبة الأمل بين السكان. لسنوات طويلة اعتمد الناس على القرض الحسن عندما تخلت عنهم الدولة. والآن، حتى هذا الدعم يتصدع».
في المقابل، تحاول الدولة اللبنانية ملء الفراغ؛ فقد عزز الجيش اللبناني وجوده في الجنوب بدعم من جهات مانحة دولية مثل قطر والولايات المتحدة، بهدف استعادة الأمن وبدء عملية إعادة الإعمار الرسمية. لكن الجهود تظل محدودة وبطيئة بسبب نقص التمويل والتنسيق المناسب.
وفي ذات الوقت، تسعى المنظمات الشعبية والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى التدخل حيثما أمكن، لكنها تواجه قيوداً خاصة بها من حيث القدرة والوصول.
تختتم الصحيفة بالقول إن غياب المؤسسات الفاعلة -سواء كانت حكومية أو حزبية- يترك سكان جنوب لبنان في مواجهة طبقة أخرى من عدم اليقين. بالنسبة لمنطقة تضررت من الصراع والتهميش والإهمال الممنهج، فإن انهيار القرض الحسن لا يشير فقط إلى نهاية نظام مالي بل إلى محاسبة أوسع للوعود التي قُطعت باسمهم.