اخترنا لكدنيا ودين

رضا هلال يكتب: أنفاس الرحيل

ومضات رمضانية

رمضان لا يرحل فجأة، بل ينسحب بهدوء، كما تنسحب الشمس في المغيب، تترك خلفها ألوانًا لا تُنسى من الرحمة والطمأنينة. ومع اقتراب نهايته، نشعر وكأن الزمن يثقل خطاه، والأيام تتباطأ قليلًا، احترامًا لوداعٍ لا يشبه سواه.

في الزوايا المتبقية من الشهر الكريم، تختبئ فرصٌ عظيمة، ونفحاتٌ لا تُقدّر بثمن، كأنها اللحظات الحاسمة في سباقٍ إيماني، لا يُتوّج فيه إلا من ثبت قلبه حتى النهاية، وواصل السير وإن أعيته الأيام. إنها أيام الخلاص، حيث الدعاء أرجى، والرحمة أوسع، والعفو أقرب.

وبين أنفاس الرحيل، تتكثف البركات؛ ترى الأيادي ممدودة بالزكاة والصدقات، والقلوب مترعة بالدعوات. كأن الناس قد تعلّموا من كرم رمضان، فصاروا أكثر سعةً وعطاءً، وكأن الأرواح، بعد صيامٍ وقيام، قد أدركت أن السعادة ليست في الأخذ، بل في البذل.

فهل نودع رمضان وحالنا كما هو، لم يتبدّل؟ أم تأثرنا وتغيّرنا؟

هل يودّعنا رمضان وأرواحنا قد تغلّفت ببركاته، وانغمست في نورانيته، وصفت كصفاء ليلة القدر؟

هل نودّع الشهر الفضيل وما زلنا نعاني من أمراض القلوب؟

أم أننا وجدنا دواءً شافيًا لهذه المضغة التي يتوقف صلاح حياة الإنسان على صلاحها، وإن فسدت فسد كل شيء؟

سويعاتٌ ونستلم قلوبنا وأرواحنا من «ورشة الإصلاح والتهذيب السنوية»، ولابد لنا من وقفة مع النفس:

هل نستطيع أن نسير في الشهور الأحد عشر المقبلة على نفس النهج، نحافظ على نقاء قلوبنا وصفاء أرواحنا وسلامتها؟

أم سنعود بها إلى سيرتها الأولى من التلوث والمعاصي، وإهمال العبادات، وبذاءة اللسان، وأعمال الضغينة، والبعد عن القرآن الكريم، وعدم الالتزام بسنة العدنان، سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام؟

جاءتنا فرصة عظيمة، وتأتي كل عام، ولا ندري: هل سندركها في العام المقبل؟ وهل سنكمل ما تبقى لنا منها في هذا العام؟

لكن الأمل والرجاء فيمن هو أهل للأمل، ومنه يُرجى القبول، أن يُديمها علينا أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ولكن في طاعة الرحمن، وعلى سنة المصطفى، صلى الله عليه وسلم. وأن يتقبّلها منا ومنكم أجمعين.

فيا من أدركت هذه اللحظات، لا تجعلها تمر كما مرّت سابقاتها.

اغتنم، وابتهل، وتبسم، وسامح، وازرع في دربك نورًا…

فما تبقى من رمضان، وإن قلّ، قادر أن يُبدّل ما كان، ويكتب لك بداية جديدة، بروحٍ أنقى، وقلبٍ أقرب إلى الله.

وغدًا ومضة رمضانية جديدة

redahelal@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى